تضرب الأزمة المالیة كل مفاصل الحیاة في الدولة اللبنانیة، والدولار الى
ارتفاع مستمر، ویبدو أن لا سقف لهذا الارتفاع! وتماما كقطع الدومینو، تتهاوى قطاعات ومؤسسات
واحدة تلو الأخرى.. واللافت والغریب أن لا بوادر انقاذ او حلول على المدى
المنظور.. لا دعم، لا بطاقة تمویلیة، لا شبكة ضمان اجتماعي.. ولا شيء یحمي
حق وصحة وكرامة الفئات الضعیفة، التي باتت الیوم بالحضیض!
حتى الضمان الاجتماعي، الذي یتولّى مسؤولیة صون وحمایة الأمن الصحّي
والاجتماعي بالبلد، والذي تطال خدماته أكثر من ثلت الشعب اللبناني، مھدّد أن
یتوقّف نھایة السنة عن تقدیم خدمات الطبابة والاستشفاء، مع العلم أن كل
المستشفیات لا تستقبل مرضى على حساب الضمان إلا اذا كانوا قادرین على تحمل
دفع الفروقات.. التي تشكّل مبلغا كبیرا وحرزانا، للأسف معظم
المضمونین لا يمكنهم تكبّده!
السبب؟ انھیار اللیرة والارتفاع الجنوني لسعر الصرف، في وقت لا يزال الصندوق الوطني
للضمان الإجتماعي یدفع على تسعیرة الألف وخمسمئة ليرة، من دون أن ننسى الدیون
المتوجّبة على الدولة، والتي تتراكم منذ سنوات، لصالح الصندوق. الدولة
اللبنانیة مكسورة الیوم على أكثر من خمسة آلاف ملیار لیرة كدین للمؤسسة الضامنة لنحو
ملیون ونصف مليون مواطن لبناني، وبالتالي ھذه المؤسسة باتت مدینة للمستشفیات
المتعاقدة معھا، والتي بدورھا أعلنت صراحةً انھا لم تعد قادرة الیوم
على تحمّل المزید من الخسارة، خصوصا أن الدولة لم تلتزم بل نكثت بمئات الوعود
والتعھّدات التي أطلقتھا على مدار سنوات!
وحتى نعرف حجم الكارثة الصحیة التي نحن قادمون علیھا، تكفي الإشارة الى
أن الصندوق، ورغم تقاعس الدولة عن دفع مستحقاتھا له، لا يزال حتى اليوم یؤمن
تقدیماتھ الى حوالى ملیون ونصف ملیون لبناني، ویضخ للمستشفیات المتعاقدة معھ 57
ملیار ليرة شھریا "سلفات" على حساب خدمات صحیة لحوالى 300ألف مضمون
سنویا، ويغطي نفقات العلاج خارج المستشفیات بقیمة تصل إلى ملیار 176
لیرة، ولا سیما الحالات الخاصة (الأمراض المستعصیة والمزمنة)، إضافة إلى
تقدیمات عائلیة تصل الى حوالى 800 ألف مستفید اي "عائلات المضمونین."
أكثر من خمسین عاما مر على اقرار قانون الضمان الاجتماعي، وأسئلة كثیرة
تدور في أذھان الفئات الضعیفة من اللبنانیین، التي یشكل الضمان بالنسبة إليها آخر
حِصن من حصون الدعم الاجتماعي، في ظل الأزمة الوجودیة التي نعیشھا.. لسان
حالهم الیوم: ھل سیبقى الضمان؟ وما هو مصیر مستقبلنا المرھون فیھ ولا سیما
المدخرات بتعویض نھایة الخدمة ودیمومة تقدیماتھ الصحیة والعائلیة؟ وھل أصبحت
الرعایة الصحیة والاجتماعیة في لبنان حكرا على الأغنیاء فقط؟؟
ضيوف الحلقة: مدیر التفتیش والمراقبة في الضمان الاجتماعي د. غازي قانصو، ورئیس الاتحاد العمالي العام السابق غسان غصن
اتصال مع الباحث بالدولیة والمعلومات محمد شمس الدین