October 30, 2020

يوم جديد - قوة الشكر في حياتنا مع الأب شارل مراد مطرانا للدائرة البطريركية للسريان الكاثوليك

يقول البابا شنوده ان الإنسان الشاكر هو الذي يذكر الجميل أو العون المقدم إليه، ولا ينساه مطلقًا بل يقدّره ويشكر عليه. فالشكر في قلبه وعلى لسانه، لله وللناس. فإن كان الله قد صنع معه خيرًا عن طريق أحد من الناس، فهو يشكر الله على ذلك، وأيضًا يشكر الإنسان الذي كان واسطة طيبة في وصول ذلك الخير إليه.

ولكن غالبية الناس الشاكرين، إنما يشكرون أحيانًا، أي في مناسبة معينة، أو على خير بالذات قد وصل إليهم. أما حياة الشكر فتعني أن الإنسان يشكر الله في كل حين، وعلى كل شيء. فهو يشعر على الدوام أن حياته في يد الله وحده، وأن الله باستمرار يصنع الخير معه. لذلك فهو يقبل كل ما يأتي من عند الله بفرح، ويشكر عليه. ويقول في إيمان "كله للخير"...

ويضيف على ذلك فالمؤمنون الحقيقيون يشكرون الله دائمًا على كل شيء. وحيثما يشكرونه، لا يفعلون ذلك لمجرد الاستسلام لمشيئته، أو طاعة لوصيته كأمر مفروض عليهم!! كلا، فليس هذا هو الشكر الحقيقي، وليس الشكر هو مجرد ألفاظ تقال بدون اقتناع، كأداء الواجب... بل هم يشكرون الله من كل القلب، وبكل الثقة، متأكدين تمامًا أن الله لا يسمح بأن يحدث لهم سوى الخير. وأنه – كضابط للكل – يرقب كل ما يحدث لهم، ويدبر الموقف لصالحهم. لذلك هم يشكرونه على كل ما يحدث لهم، واثقين أنه سينتهي لخيرهم. وهنا ترتبط حياة الشكر بحياة الإيمان...

هناك درجة نبيلة وسامية جدًا من الشكر، وهى الشكر على الضيقات: ليس فقط على الضيقات التي أنقذنا الله منها، بل بالحري على الضيقات القائمة التي ما زلنا نعيش فيها، وبالإيمان نثق أنها لخيرنا.

إن الصبر على الضيقة واحتمالها فضيلة، والرضى بالضيقة وقبولها فضيلة أكبر. ولكن ما هو أعظم من الكل، الشكر على الضيقة، وأعنى الشكر بفرح، وليس كمجرد واجب. ذلك لأننا إن شكرنا على النعم فقط، يكون حبنا هو للنعم، وليس لله معطيها... أما إن شكرناه حتى على الضيقة فإننا نبرهن على أننا نحب الله ذاته وليس مجرد عطاياه.

إننا نشكره مهما حدث. ولا نسمح للأحداث المؤلمة أن تقللّ من إيماننا بحفظ الله، أو تقللّ شكرنا له، أو أن تنزع سلامنا منا...

وهذا الشكر له تأثيره على الآخرين، فيتعزون به، ونكون لهم قدوة في الضيقات. وقد قلت كثيرًا إن الضيقة سميت ضيقة لأن القلب قد ضاق عن أن يتسع لها. أما القلب الواسع فإنه لا يتضيق بشيء. وطبيعي أن الذي يشكر على الضيقة سيشكر على كل شيء.

والإنسان الروحي يشكر على الضيقات، لأنها تقوى روحياته وتمنحه عمقًا في الصلاة وعمقًا في الصوم، وتزيد إيمانه إذ يرى فيها كيف أن يد الله تعمل، وكيف يتدخل لمعونته. كما تعطيه خبرات روحية. ولهذا فهو لا يتذمر أبدًا في حياته مهما كانت الظروف.

والذي يمارس حياة الشكر الدائم يجد أسبابًا كثيرة تدعوه إلى الشكر. فهو يشكر الله أولًا لأنه خلقه ومنحه الوجود، بل بالأكثر خلقًا إنسانًا عاقلًا حرًا مريدًا، كما يشكره على كل المواهب التي منحه إياها، ليس فقط على المواهب الفائقة للطبيعة إنما على التي تبدو له طبيعية، مثل الذكاء، أو رخامة الصوت، أو جمال الصوت، أو القدرة على الإقناع، أو القدرة على الاحتمال.